28.6.14

ذكريات، حاضر وأحلام


الماضي يحمل لنا ذكريات، منها فرحة وأخرى حزينة، منها جميلة وأخرى بشعة، منها ما نحب استذكاره وأخرى نودّ لو تمّحي من تاريخنا. وهي أي الذكريات تحمل تجاربا سابقة، ولربما أساسها تجارب سابقة، مما يمدّ بالخبرة الحياتية التي تساعد على فهم هذا العالم والتأقلم معه بصورة أفضل. والذكريات يمكن حفظها من التشوّش هذه الأيام، عبر توثيقها بمساعدة الكتابة أو التصوير أو الفن أو غيرها. لهذا الحفظ أهمية، إذ كما أن هناك تاريخ للإنسانية، فهناك تاريخ لكل انسان، ويمكن أن يكون هذا التاريخ وتلك الذكريات مصدرا للطاقة وحافزا على الاستمرار وعلى الأقل مُعلّما ومرشدا في التعامل مع اللحظة الحاضرة.

أما المستقبل فإليه تنصبّ الآمال، الأحلام، الأهداف، ولأنه لم يأتِ بعد، فإليه تُلقى الرغبات التي لم تتحقّق وكل ما تتوق إليه النفس، على أمل أن تصير هذه الأحلام وتلك الأهداف واقعا وحاضرا موجودا بين يدي المتأمّل. ولا أميل الى النظرة التشاؤمية التي تدّعي أننا لا نملك إلا اللحظة الحاضرة، فبإمكاننا أن نُغيّر الماضي عبر بناء نظرة مختلفة لنفس الذكريات والتجارب الماضية، انه بإمكاننا أن نُعيد خلق ماضينا من جديد، لنراه بصورة أخرى غير تلك التي علقت بذهننا، وذلك عن طريق Narrative Therapy مثلا. كما أنه يمكننا أن نؤثّر على مستقبلنا، اذا خطّطنا، فكّرنا وأردنا، عقلنا وتوكّلنا، لنرسم بأيدينا لوحة مستقبلنا التي نودّ رؤيتها. إلا أن مُلكنا للحظة الحاضرة أشدّ وتأثيرنا عليها أقوى، إذ أنها شاخصة بين أيدينا، موجودة، مُذلّلة، بمعنى أنها خاضعة لسيطرتنا. لذا من المنطقي أن نحاول عيشها بكل الحواس، بعقلنا وقلبنا، بكلّنا، لأننا هي ما ستُحدّد مجموعنا (عمر الإنسان عبارة عن سلسلة من اللحظات الحاضرة، ما مضى منها صار ماضيا، وما سيأتي يُعدّ مستقبلا). ورغم ملكنا وتأثيرنا وسيطرتنا عليها، الا أن ملكنا لها هو ملك غير حقيقي وسيطرتنا عليها غير حقيقية، إذ يمكن لثواني معدودة أن تُفقدنا سيطرتنا تماما اذا ما فاجأتنا سيارة على طريق سريع، على سبيل المثال. لقد كانت السيطرة على اللحظة موجودة قبل الحادث، الا أن المفاجأة (القضاء والقدر باللغة الدينية) أخفتها تماما، لتبرز أمامنا السيطرة الحقيقية، الملك الحقيقي (القدرة الإلهية). يقول ربنا جلّ وعلا: "قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيئ قدير" (آل عمران، 26).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق