28.6.14

التخلّف الذي كان، التقدّم الذي لم يأتِ


لا يمكنني أن أصف مدى التخلّف الذي كان حين كان الأولاد يُضربون في المدارس وفي البيوت وفي الطرقات "علحامية والباردة". وعلى أيدي من؟! على أيدي مُعلّمين جَهَلَة وعلى أيدي "كبار القوم" المتفوّقين بجهلهم وتخلّفهم (في الحقيقة هم سَفَلَة القوم)! ألا تبّا لكم أيها المتخلّفين وتبّا لتربيتكم الفاشلة! أنتم لا تستحقّون خلفا، لأنكم ستعوجونهم بعد استقامتهم وستُغلقونهم بعد انفتاحهم وسترهبونهم بعد اطمئنانهم! وإلا فما الذي يُبرّر ضرب الأطفال والتنكيل بهم، شتمهم واهانتهم؟! لماذا هذا الإرهاب؟! ان الطفل عندما ينشئ في مثل هذه البيئة العنيفة، فإنه سيفهم أن العنف جزء لا يتجزّأ من هذا العالم، ان لم يفهم أنه العالم كلّه، وعندها سيحاول تطبيق العنف الذي لُقّنه، فما ان تحين الفرصة حتى يُخرج عدوانيّته دون سابق انذار. انها عملية تحفظ العنف من الانقراض عبر الأجيال!

ألم يسأل المعلّمون أنفسهم هل هناك طرقا بديلة عن التخويف والعقاب؟! لماذا لم يُفكّروا في الجانب الآخر: الجزاء على الفعل الحسن وعلى القيام بالواجب؟! لكنّهم كانوا يسعون الى رفع مقام المعلّم واحاطته بهالة من القداسة والكبرياء والعظمة، ليصل الى منزلة الإله، إله العذاب! ألا بئس به من إله! وعندما يخاف الطلاب من المعلّم ويهابونه ولا يجرؤون على النظر إليه، عندها يمكن للمعلّم أن يُعلّم كيف يشاء وبالتالي ليس مجبرا على أن يُظهر كفاءته، إذ لا يجرؤ أحد على معارضته ولو كان مخطئا! وبذلك تستمر سلسلة الدكتاتورية والسلطوية ويبقى الطالب أسيرا عند معلّمه، بدلا من أن يكون المعلم معينا له على تحقيق حرّيته وانسانيته عبر التعلّم والتثقّف. 

لكنّ اندثار عنف المعلّمين تجاه الطلاب يُعتبر قفزة نوعية الى الأمام. وربما أشعلت هذه القفزة تفاؤلا كبيرا لإمكانية التغيير، واحباطا في أعقابها إذ لم تتحقّق كل الآمال بالسرعة التي تمنيناها. على سبيل المثال، التعليم ما زال يعتمد على التلقين أكثر من اعتماده على التفكير والبحث، فالمعلّم يأتي بالمادة جاهزة ليزرعها في عقول الطلاب، ولا يترك مجالا للتعلّم التفاعلي الذي يكون فيه الطالب عنصرا فعّالا. والتخويف ما زال مستمرا ولكن بصورة ألطف، عبر أقوال مثل: "اذا ما بتدرس منيح، بتجيب علامة واطية"، "اذا ما بتقعد هادي، بقول لأبوك"، وذلك بدلا من استعمال نفس الجمل على طريق الإيجاب: "اذا درست منيح، راح تحصّل علامة منيحة"، "اذا بتقعد هادي، راح أقول لأبوك انك طالب شاطر".  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق