28.6.14

التاريخ المُنتقى، الحاضر المُصفّى


التاريخ يخدم مصالح المُسيطر في الغالب، وهو بعيد عن أن يكون مرويا بصورة حيادية. فكل دولة تُشبع مواطنيها الرواية التي تراها مناسبة، الرواية التي تراها تخدم مصالحها، لتحافظ على سيطرتها، هيمنتها، "هجمونيتها" (Hegemony)، وتُلغي كل الروايات الأخرى أو تعتبرها غير موجودة على الأطلاق! ان التاريخ صار يُتلاعب به، وبدلا من أن يكون غاية، أضحى أداة رخيصة بأيدي الحكّام والمسيطرين، ولهذا تعدّدت الافتراءات عليه. انه يُزرع به أشياء لم تكن موجودة، وينفى منه أشياء أخرى كانت موجودة أو يُتنكّر لها، ليصير تاريخا منتقىً! فما يخدم المصالح يدخل وما لا يخدمها يُلقى به في مزابل التاريخ دونما رحمة! ومثالنا على ذلك، الحضارة الغربية التي تُركّز على عصور الظلام حيث قُمع العلم في أوروبا وقُمع الفن في الاتحاد السوفييتي، وكيف أن النهضة التي جاءت، أسدت للبشرية كلها الخير كله، وأخرجت العالم من الظلام الى النور. وليس هذا تاريخا دقيقا! انه تاريخ مُنتقى يخدم مصالح المُسيطر، إذ في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعاني من عصور الظلام، كانت الحضارة الإسلامية في ذروتها! وعندما ينسبون اختراعا فإنهم يتغاضون عن الأصل، في حين كان لما توصّل إليه المسلمون دورا كبيرا في التقدّم الذي حدث في أوروبا. على سبيل المثال، خوارزميات الخوارزمي التي وضعت أساسيات علوم الحاسوب، القانون في الطب لإبن سينا وغيرها من علوم وفلسفات أُخذت أو سُرقت دون أن يُذكر مصدرها في أحسن الأحوال!

والحاضر كذلك يتم تصفيته من الشوائب التي لا تُعجب المُسيطر. الأكثرية لا تكاد تتعرّض للأقلية في حديثها الا عندما تُعطيها الشعور أنها درجة ثانية، كأن تُظهر شفقتها عليها أو أن تذكرها فقط في سياق الذمّ والسلبية! على سبيل المثال، في المحاضرات القائمة في الجامعات الإسرائيلية، المثال العربي لا يكاد يُضرب، في حين تعجّ المحاضرة بأمثلة من عالم المُسيطر، واذا ما ضُرب المثال العربي فإنه لا يُحسن إليه في الغالب وهو يُعرض بصورة مُشوهّة، ليُحطّ من قدره! ويمكن أن يكون هذا التشويه غير مقصود، إلا أن المُسيطر قد شُرّبه منذ صغره، مما يُصعّب عليه أن يتحرّر منه!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق