28.6.14

طفل يتألّم!


عندما نتحدّث عن الطفولة، فإننا نتخيّل في الغالب عالما ورديا، مليئا بالدمى، مفعما بالحب والعطف والحنان، لذلك نقول: "خليه يعيش طفولته". ان الطفولة عندنا هي البداية، الشروق، النبوت، الخروج من الظلمات الى النور، الحياة! أما الألم فهو من عالم آخر، غريب عن الطفولة، مألوف للكبار خصوصا المسنين منهم، وهو مرتبط بالنهاية، بالغروب، بالموت! انهما عالمان غريبان عن بعضهما البعض، الأطفال حياة والألم موت! الأطفال أمل والألم يأس! الأطفال عالم وردي والألم عالم قاسٍ!

وكم تكون صدمتنا قوية عندما نرى طفلا يتألّم، عندما نرى طفلا يعاني من مرض السرطان، عندما نرى طفلا موصولا بجهاز طبي، عندما نرى طفلا بريئا في مشفى، في بلد حلّت به كارثة الجوع أو الحرب أو كارثة طبيعية كزلزال أو إعصار! كم يؤلمنا رؤية طفل يتألّم! كم يؤلمنا رؤية طفل يتعذّب! كم يؤلمنا رؤية طفل يقضي طفولته في المستشفى! كم يؤلمنا رؤية طفل يصرخ ألما! كم يؤلمنا ألم الصغار، أبناء الحياة! كم يؤلمنا رؤية طفل يموت أو ميت!

نتساءل عندها أين العدل في هذا العالم؟! ماذا فعل هذا الطفل المسكين ليلقى من العذاب ما يلقى؟! هل يستحمل جسده الضعيف، قلبه الصغير، لحمه الطري، عظمه اللين؟! هل تستحمل نفسيته الناشئة؟! انه عصفور من عصافير الجنة، فلماذا تصيبه نفحة من نفحات جهنم؟! انه صغير، لكنّ ألمه كبير! انه متجّه الى الحياة، الا أن الألم (أو الموت) يُلاحقه، يُطارده! انه في البداية، الا أن النهاية تقف في وجهه! بداية ونهاية؟! هل يمكن أن يتزامنان؟! في غياب الدين، مثل هذا المشهد يمكن أن يؤدّي الى الكفر أو الى الإلحاد، نظرا لأنّ القوة الإلهية (وفقا لرؤياهم) لا تحمي هذا الطفل المسكين وغيره من الضعفاء، لا تحميهم من الشقاء، البؤس والعذاب! واذا انعدمت الحماية الإلهية، فإما أنه لا وجود للرعاية الإلهية وإما لا وجود لإله وكلاهما كفر! الا أنه اذا تأمّلنا القانون الذي يؤدّي الى استنتاجهم هذا، نكتشف أن أصله ديني، فلأن الطفل بريء (صالح باللغة الدينية) فإنه لا يستحقّ حياة الشقاء، ولأن الظالم مجرم (طالح) فإنه يستحقّ عقابا! نفس القانون الديني: الحياة الطيبة للصالحين، حياة الشقاء للطالحين! إلا أن عيب الملحدين في هذه المسألة، أنهم أرادوا تطبيق قانون سماوي على حياتهم المادية، مما أدّى بهم الى الضلال! انهم ظنوا أن الحياة الطيبة تقتصر على الرفاهية والصحة والمال، وظنوا أنها تقتصر على الحياة الدنيا، ذلك لأنهم ألغو الآخرة من حساباتهم! ان هذه الدنيا لا يتحقّق فيها عدل، وانما تمام العدل يكون يوم القيامة عند الله العدل! وما قيمة الحياة الدنيا قبال الآخرة؟! ان هذه الحياة التي حصر فيها الملحدون فكرهم لا تسوى عند الله جناح بعوضة! وبالتالي هذا الطفل الذي يتألّم، يعاني، يتعذّب، ويظهر لنا جرّاء ذلك أنه يعيش حياة البؤس والشقاء ولذا لا عدل في هذا العالم، فإنه عند عدم تغييب الآخرة، يبان لنا صغر هذا الألم قدّام النعيم المنتظر، وقصر هذه السنين قدّام حياة البقاء، وعندها نوقن أن العدل قائم، غير مُفنّد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق